قبل لحظة واحدة فقط كان صوت ضحكاتهما تملأ المنزل، والآن أصبح وحيداً يكتم صرخة تحاول الخروج من صدره مع كل نفس، وها هو صديق عمره ملتف بصمت وسكينة غير معتادة..
بينما يحاول هو أن يكذب ظنونه التي تؤكد كل الوقائع صحتها، فصديق عمره لم يعد موجوداً في الحياة، لقد فارق الدنيا في لحظة معصية كان هو من أخذه إليها، وكأن القدر يريد أن يرسم نهاية، حيث كانت البداية فقد خرج صديقه من الدنيا من حيث دخل عالم المخدرات، من شقته، ليكون دليلاً على جريمته في حق صديقه.
لا يعرف كم مرَّ من الوقت وهو ينادي على صديق عمره، ثم يلطم كلا خديه قبل أن ينخرط بالبكاء، ثم ينكر ما أدركه ويحاور من لا يرد عليه وكأنه يسمعه، فلما يطول صمته يعاود مناداته وهكذا.
وفي لحظة توقف ليسأل نفسه عما يجب أن يفعله، هل يطلب الإسعاف وماذا سيخبرهم، سيعرفون أن رفيقه توفي بجرعة مخدرات زائدة، وهو معه وبالتالي سيفحصونه وسيعرفون أنه يتعاطى أيضاً ويدخل السجن. وبالتالي لم يكن أمامه إلا أن يتخلص من الجثة بحيث لا يعرف أحد أنه كان معه.
كان مفتاح سيارة صديقه على الطاولة، فأخذه وقاد السيارة إلى أقرب مكان من باب المبنى، وتأكد من خلو الشارع من المارة في تلك الساعة المتأخرة من الليل، ثم صعد إلى الشقة وحمل صديقه ونزل به من خلال الدرج ولم يستخدم المصعد، حيث إن تصميم المبنى جعل للدرج باباً يفصله عن الشقق، فضمن أن لا يصادف أحدا أثناء نزوله، ثم مدد صديقه على المقعد الخلفي من السيارة، وقادها إلى منطقة بعيدة على الشاطئ، ثم أنزله ووضعه في مقعد السائق، وغادر ماشياً إلى منزله.
كان الطريق كافياً ليستعيد خلاله أيام عمره الذي ترك رفيقها قبل دقائق جثة على الشاطئ.
لم يطل الوقت قبل العثور على الجثة، فقد كان هناك مشروع معماري في منطقة قريبة، وقد حضر العمال في الصباح الباكر ولاحظوا السيارة والجثة بداخلها، كما لم يصعب على الجهات المختصة معرفة هوية المتوفى والتوصل إلى أهله، وبالطبع تم الفحص لمعرفة سبب الوفاة والتي اتضح أنها حدثت نتيجة جرعة زائدة تضمنت عدة أنواع من المخدرات، وبعد استدعاء أسرته والتحقيق في القضية تبين أنه كان في يوم وفاته وكما تعود مع صديق عمره...
وأكدت الأسرة عدم علمهم بتعاطي ولدهم المخدرات، ولكن إن كان ذلك صحيحاً فلا بد أن صديق عمره وكاتم أسراره يعلم كل شيء عن الأمر.لم يكن الوصول إلى الحقيقة صعبا، بمجرد أن نظر إليه المحقق وبدون أن يخبره بموت صديقه أو يسأله، كانت نظراته التائهة وملامحه المنحوتة بالألم، تحكي القصة كاملة.
وما إن واجهه المحقق بالشكوك التي تدور حوله، حتى انهار باكياً معلناً ندمه على ما أوصل إليه صديق عمره. وبناء عليه أحيل إلى المحكمة بتهم حيازة وتعاطي مخدر الحشيش والمؤثرات العقلية، وتضليل العدالة وقيادة مركبة تحت تأثير المخدرات، وحكمت عليه محكمة جنايات أبوظبي بالسجن 7 سنوات عن تهم تعاطي وحيازة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، وستة أشهر عن كل من تهمتي تضليل العدالة والقيادة تحت تأثير المخدرات.